نبذة مختصرة عن تاريخ العود . منذ ظهوره إلى أن وصل إلى المغرب

عرض تعريفي حول العود

أألقي في 26 فبراير 2011 .بمناسبة إفتتاح أنشطة جمعية عود للموسيقى والإبداع


إإعداد : جهاد البدوي

تعريفه وتاريخه



العود آلة موسيقية وترية من عائلة الوتريات المنقورة , وقد سمي بالعود لأن جميع أجزائه مصنوعة من الخشب , له ست أوتار , خمسة منها ثنائية وواحد منفرد , ومن الأعواد من له خمسة أوتار أو سبعة أوتار, وكذلك هناك عيدان بثمان أوتار , بالإضافة للعيدان التقليدية ذات الأربع أوتار , كالعود المغربي ( عود الرمل ) والعود التونسي .



وميزة العود في أوتاره الثنائية التي تعطي طعما خاصا لصوته , مع مرآته المستوية التي تمكن من عزف جميع أجزاء البعد الموسيقي الموجودة بين العلامات الموسيقية .



ويعتبر العود من أكثر الآلات الموسيقية التصاقا بعازفها , فوضعية العزف تمكن العازف من احتضانه وضمه لتسري دبدبات صوته في كامل جسمه , وبعد مرور سنوات قليلة في العزف , يكون العازف قد احتضن عوده أكثر من احتضانه لأي شخص عزيز عليه.



وقد أطلقت عليه العديد من الأسماء , كجالب المسرات , وآلة الحكماء, ويعتبر سلطان آلات التخت الشرقي وأب الوتريات المنقورة , حيت يعتبر من أقدم الآلات الموسيقية التي عرفتها البشرية . فقد تعرفت عدة حضارات في حقب ما قبل التاريخ على أشكال عديدة من العود, ويبقى القاسم المشترك بين هاته الآلات هو وضعية وطريقة العزف.



و ينسب بعض الباحثين صناعة أول عود لسيدنا نوح عليه السلام , ويقال انه قد ضاع بعد الطوفان . ومنهم من نسبه إلى سيدنا داوود عليه السلام . وتذكر العديد من المراجع أن أول صناعة للعود تنسب إلى لامك بن متشولح وهو من الجيل السادس بعد سيدنا آدم ...



هذا إذا تكلمنا عن ما تداولته بعض الكتب والمراجع من حكايات وروايات تكاد تكون عارية من الصحة , وذلك لافتقادها إلى السند العلمي والتاريخي .



لكن الدراسة التي أجراها الدكتور صبحي أنور أبو رشيد , والتي أظهر من خلالها العثور عن عدة حفريات في كل من مصر وسوريا والعراق , وكلها ترجع لعصور ما قبل التاريخ . وهذه الحفريات عبارة عن صور لعازفين وعازفات يمسكون العود في وضعية العزف , وتعود أقدمها لأكثر من 2500 سنة قبل الميلاد , وقد وجدت في بلاد الرافدين وترجع للعصر الأكدي .



تعرف العرب على العود



وقد تعرف العرب على العود في مراحل ما بعد التاريخ, وتتضارب الأقوال بين من يقول أن العرب قد تعرفوا عليه في عصر الجاهلية , وبين من يقول أنهم قد تعرفوا عليه بعد الإسلام . حيث كان يرافق أشعارهم وأغانيهم . وذكر العديد من الباحثين بأن النذر بن الحارث هو أول من عزف العود بين العرب بعد أن أخد صناعته من الفرس وزاد عليه أن استحدث أسلوبا جديدا بالعزف والغناء, و يذكر كذلك اسم سائب خاثر كأول من عزف العود في المدينة ,وقد كان من موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب , وكان ذلك في بداية العهد الأموي.



وتعاقب بعد ذلك العديد من العازفين والعازفات , و أخد العود يعرف انتشارا أكثر بين العرب, حتى وصل ذروة انتشاره في العهد العباسي , حتى ان بعض الأمراء احترفوا العزف والغناء .



وقد عرف العهد العباسي كذلك اهتماما كبيرا بالكتابة والبحث في مجال الموسيقى , والعود على الخصوص, وبرز العديد من الفلاسفة والحكماء في هذا المجال , ونذكر منهم الفارابي والكندي والرازي وابن سينا وصفي الدين الأرموي. فبالإضافة لإجادتهم وتبحرهم في العديد من العلوم , إلا أنهم أولوا اهتماما بالموسيقى , وهذا يظهر المكانة الكبيرة التي وصلت إليها الموسيقى آنذاك.



دور زرياب في تطوير العود



بالإضافة إلى المنظرين والفلاسفة الذين اهتموا بالكتابة للموسيقى في العهد العباسي , فقد برز العديد من العازفين والمغنين المهرة. وقد سطع نجم ابو الحسن علي بن أبي نافع ,والملقب بزرياب ( وزرياب هو طائر اسود جميل الصوت) وقد لقب بزرياب لحسن صوته وبشرته السوداء, وقد تفوق على جميع معاصريه عزفا وتلحينا وغناء. بما في ذلك أستاذه إسحاق الموصلي ,الذي تملكه الحسد من موهبة زرياب وخاف أن يفقد مكانته في بلاط الخليفة , فخيره بين الخروج من العراق أو قتله. وهذا ما جعل زرياب يترك العراق مكرها, حيت لجأ إلى المغرب العربي ثم إلى الأندلس .



وقد كان زرياب متعدد المواهب, فبالإضافة إلى كونه عازفا ومغنيا وملحنا , فقد كان كذلك مجددا في صناعة العود , وقد ركب وجها خشبيا للعود الفارسي المسمى بالبربط بعدما كان وجهه مصنوعا من الجلد . وقام بتجديد العود الذي كان متداولا في ذلك العصر, ليصبح بوزن اخف وبقوة وعذوبة أكثر في الصوت وبوتر زائد , حيث أضاف الوتر الخامس بعد ما كانوا أربعة, وأستبدل مضراب الخشب الذي كان ينقر به الوتر إلى ريشة مصنوعة من قوائم النسر.



وقد عرف العود ازدهارا وانتشارا كبيرا عندما هاجر زرياب إلى الأندلس , بعدما افتتح أول معهد خاص بتدريس الموسيقى , ويعتبر الأول من نوعه في تلك الحقبة. وكان للعود النصيب الأكبر من الاهتمام , حيث كان هذا المعهد يدرس طلبة من جميع أنحاء أوربا والعالم , وهدا ما جعل العود ينتشر بشكل كبير في أوربا وبعض دول آسيا.



دخول العود إلى المغرب



ولم تكن دول المغرب العربي مستثنية من هدا الانتشار الكبير للعود . حيث تعرف المغاربة على العود عن طريق ابن باجة وليد سرقسطة بالأندلس. والذي هاجر من الأندلس إلى المغرب بعدما أخد صناعة العود عن المدرسة الزريابية , وكان هذا في عهد المرابطين . ثم استقر بفاس واستطاع أن يؤسس مدرسة جديدة في عزف العود مختلفة عن مدرسة زرياب . وكان له دور كبير في انتشار آلة العود بين المغاربة, وقد كان العود المتداول في ذلك العصر يسمى (عود الرمل) , وقد كان اصغر من العود المعروف حاليا وله اربع اوتار.



و بعده عرف المغرب أجيالا متعاقبة من العازفين , إلى أن تعرف المغاربة على العود الشرقي من خلال المد الإعلامي الشرقي في بداية القرن الماضي , مع أغاني الشيخ درويش وزكريا احمد وأم كلثوم وعبد الوهاب .



وقد كان احمد البيضاوي وعمرو الطنطاوي من أوائل من أجادوا العزف على العود الشرقي الذي أصبح هو المتداول بين جميع عازفي العود .وقد أخد مكان عود الرمل .الذي صار شبه منقرض , إلى أن أحيته مؤخرا جمعية روافد موسيقية بطنجة والتي كان لها الفضل في البحث والتنقيب وإعادة صناعته , ليبقى شاهدا على فترة ازدهار موسيقي كبير بالأندلس .



دور العازفين المنفردين في تطوير آلة العود



كان لدور العازفين المنفردين ( الصولست ) الدور الأكبر في إبراز إمكانيات العود ومكنوناته . وارتقوا به إلى مستويات عليا في التأليف والعزف . من خلال تكريس حياتهم للرفع من شأن هاته الآلة العريقة .



وقد بدأت موجة العازفين المنفردين . أو الجيل الجديد من عازفي العود في بدايات القرن الماضي , وأخص بالذكر الشريف محيي الدين حيدر . والذي لم نكن نعرف عنه شيئا . وذلك راجع للهيمنة الإعلامية التي كانت تركز على كل ما هو مصري او شامي وقد قام الشريف محيي الدين حيدر بتأليف العديد من المؤلفات الخاصة بالعود .والتي تعتبر من أصعب ما ألف للعود,وجاء بعده الأخوين منير وجميل بشير اللذان اثروا المكتبة الموسيقية العربية بمؤلفات للعود عالية التقنية والسرعة أيضا . وتعاقبت بعدهم أجيال العازفين المنفردين المتميزين.



ولا نغفل أيضا دور فريد الأطرش في إبراز العود عند العامة من الجمهور, فرغم انه لا يعد عازفا منفردا, إلا أن التقاسيم التي كان يفتتح بها حفلاته, جعلت المستمع العربي يتذوق طعم العزف دون غناء, وكذلك فعل معاصروه محمد القصبجي و رياض السنباطي والذي يعتبر فيلسوفا للعود .



ونذكر من العازفين المعاصرين العازف العراقي نصير شمة الذي قام بإنشاء بيت العود في مصر والذي أصبح يتخرج منه خيرة العازفين وامهرهم, والعازف اللبناني شربل روحانا الذي ألف منهجا حديثا للعود يعتبر من أحدث وأحسن ما ألف لتعليم العود.ونذكر كذلك العازف السوري حسين سبسبي المبتكر.والعازف المصري ممدوح الجبالي صاحب النفحة الشرقية الأصيلة. والعازف اليمني أحمد فتحي والعازف التونسي أنور ابراهام , والفلسطيني سيمون شاهين.والعازف المغربي سعيد الشرايبي , والذي يعتبر من خيرة عازفي العالم , والذي استطاع التأسيس لمدرسة مغربية في العزف .وذلك بدمج مقامات وإيقاعات مغربية وتركية وخرج بتركيبة متميزة متفردة .



مكانة العود حاليا



يعتبر العديد من المستمعين أن العود يعيش حالة تراجع كبير بعد أن فقد مكانه في العديد من الفرق والمجموعات الموسيقية العصرية , ولم نعد نراه بين الفرق إلا نادرا .



لكن العكس هو الصحيح , إذ أن العود يعيش أزهى أيامه , فبالإضافة لكونه مرافق للغناء , والآلة المفضلة للملحنين , فقد أخد يتصدر الواجهة , و صار منفردا متفردا في عزفه, بعد انتعشت سوقه بشكل كبير, وصار الإقبال عليه كبيرا بين فئات وشرائح عمرية مختلفة . وأصبح عدد عازفيه ومريديه يزيدون يوما بعد يوم, ومستوى عازفيه يرتقي إلى مستويات لم يعرفها عزف العود من قبل . وتخطى صداه رقعة الوطن العربي والشرقي , بحيث صرنا نرى عازفين غربيين يجيدون العزف بالعود الشرقي بكل مقاماته وتفاصيله . و أنشأت العديد من المعاهد الخاصة بتدريسه , والجمعيات المهتمة به وأصبحت تقام له العديد من المهرجانات والملتقيات والأمسيات .